قد يجد الإنسان نفسه مدفوعا إلى الكتابة في موضوع ما كشفا للحقيقة ، أو بيانا لفضل مستحق ، أو ردا على هجمات ظالمة تصريحا أو تلميحا ممن يجهلون معرفة الشخص ولا يعرفون طبيعته ولا قدر ما يقدمه لوطنه ، حتى لو كان ذلك على غير رغبة من المكتوب في حقه أو المشهود له .
أذكر بعض المواقف الوطنية الرائدة ، واللمسات الإنسانية الراقية ، غير مجامل ولا مبالغ ، إنما هو بيان لله وللتاريخ ، إنه رئيس مجلس حكماء المسلمين ، وهو جدير بذلك ، ورئيس مجلس أمناء بيت الزكاة ، وهو أهل لذلك ، حيث يسعى الرجل إلى تقديم كل ما من شأنه مرضاة ربه ، والإسهام في حل مشكلات وطنه ، فما سمح الرجل عبر تاريخه باستخدام اسمه لتحقيق مصالح أو مكاسب شخصية ، غير أنه قال : إنه على استعداد لأن يفعل أي شيئ وكل شيئ لصالح الفقراء طالما أنه منضبط بمرضاة الله وتحقيق مصلحة الوطن .
لم يقصر الرجل يوما تجاه قضايا وطنه ، بل أراه دائما مهموما بها ، وقد تبنى بنفسه توجيه سائر المؤسسات الدينية للتصدي لإرهاب الإرهابيين والمتاجرين بالدين ، وبخاصة تجاه تلك الدعوة الأخيرة الآثمة المجرمة إلى حمل المصاحف يوم الجمعة 28 / 11 / 2014م ، وعقد سلسلة من الاجتماعات مع رؤساء المناطق الأزهرية ومديري الوعظ على مستوى الجمهورية ، وكان رأيه حاسما حيث أكد أن الدعوة إلى رفع المصاحف هي فعلة الخوارج الشنعاء ، حيث خرجوا على الإمام عليّ (رضي الله عنه) ، وقالوا : لا حكم إلا لله ، في محاولة لشق صفه وصف أصحابه ، ثم كفّروه ، ثم حملوا السيوف فسفكوا الدماء ونهبوا الأموال ، وها هو التاريخ يعيد نفسه على يد خوارج العصر الجدد ، الذين يتاجرون بكتاب الله لخداع العامة ، وكتاب الله من أفعالهم ودعوتهم الخبيثة الآثمة براء ، فالمشاركة فيها أو الدعوة إليها إفك كبير إثمه على من دعا إليه أو سوّقه أو يشارك فيه .
إنه فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر ، الذي يعد صمام الأمان للأزهر الشريف ووسطيته في هذه المرحلة الفارقة في تاريخ الوطن والأمة العربية والعالم الإسلامي كله ، دون إفراط أو تفريط ، أو غلو أو تقصير ، ففي الوقت الذي يقف فيه الأزهر الشريف بقيادته الحكيمة شامخا قويا في مواجهة الإرهاب والتطرف والغلو ، ويعلم الله أني لا ألقى من فضيلته في ذلك إلا كل الدعم والتأييد في المواجهة التي تخوضها وزارة الأوقاف في الحفاظ على مساجدها ومنابرها من أيدي الدخلاء وغير المتخصصين وتجّار الدين ممن يحاولون استخدام الدين والمساجد والمنابر لتحقيق مصالحهم الحزبية والانتخابية وأغراض جمعياتهم أو جماعاتهم في تحقيق أغراضها الخاصة حتى لو كان على حساب المصلحة الوطنية ، لقد رأيته في كل ذلك موجها حكيما ، وأبا رحيما ، وأستاذا واعيا بحجم الأخطار والتحديات .
وفي الوقت نفسه وبنفس القوة والحسم في مواجهة الإرهاب تأخذه الغيرة لدينه ومسئوليته كشيخ للأزهر الشريف إلى التصدي للمتطاولين على الثوابت ، فيوجه هنا ويستحث هناك ، ويراجع ما نصنعه أولا بأول بنفسه ، وأذكر أنموذجا واحدا لذلك هو خطبة اليوم التي كتبت تحت عنوان : ” الدعوات الهدّامة .. كشف حقيقتها وسبل مواجهتها ” ، حيث ناقشنا مع فضيلته عناصرها الرئيسية قبل كتابتها ، وشكلنا فريق عمل ظل يعمل لمدة يومين في ضوء توجيهاته ، ثم أنني لإدراكي مدى اهتمام فضيلته بالأمر – وعلى الرغم مما أعلمه من شواغله – تجرأت على الاتصال به قبل الواحدة صباحا ولمدة تقترب من خمس عشرة دقيقة ، لأقرأ عليه الخطبة قبل عرضها على موقع الوزارة ونشرها وتوزيعها ، لأن كل كلمة فيها كانت تحتاج إلى مراجعته وإلى خبرته وإلى إقراره ، فعندما قال : على بركة الله ، انتقلنا إلى عرض خطة التنفيذ ، حيث حرص فضيلته على الجدية في الوصول بهذه الخطبة إلى كل أبناء مصر ، والانتشار بمضمونها في المعاهد الأزهرية ومراكز الشباب والتجمعات العمالية ، لنكشف الخونة والعملاء ، لأن من يدعو إلى رفع المصاحف لا يخرج عن كونه إما جاهلا مخدوعا مغررا به ، وإما خائنا عميلا مأجورا ، فإذا قام الأزهر الشريف بدوره في بيان وجه الحق ، وكشف مخالفة هذه الدعوة الآثمة لصحيح الإسلام ، لم يبق مصرّا على الخروج سوى الخونة والعملاء والمأجورين ، وهم الذين ينبغي كشف حقيقتهم في الدنيا قبل أن يفضحهم الله على رءوس الأشهاد في الآخرة .
وختاما أؤكد أننا في الأزهر الشريف بكل مؤسساته وعلمائه ورجاله نقف صفا وطنيا واحدا في مواجهة كل ألوان الإرهاب والتشدد والغلو ، ونقف بقوة خلف قيادتنا السياسية ، وخلف قواتنا المسلحة الباسلة التي تذود عن وطنها ودينها وشرف أمتها ، وخلف رجال الشرطة الذين يسهرون على أمن الوطن والمواطن ، وخلف كل المؤسسات الوطنية ، وخلف كل وطني مخلص ، نُسخّر كل طاقتنا في خدمة ديننا وخدمة وطننا .